تونس في 14 ماي 2025
الحرية لعبدالله سعيد
تتابع حملة “ضد تجريم العمل المدني” في تونس ببالغ الانشغال والقلق ما يتعرض له الناشط الحقوقي ورئيس جمعية “أطفال القمر” بمدنين، عبدالله سعيد، من ملاحقات قضائية خطيرة وتهم كيدية تهدد الحريات الفردية والجماعية وتقوّض أسس الدولة الديمقراطية.
في 12 نوفمبر 2024، تم إيقاف عبدالله سعيد من قبل قوات الأمن التونسي، وإحالته إلى الفرقة الوطنية لمكافحة الإرهاب، حيث وُجّهت له، ولأول مرة في تونس تجاه ناشط/ة مجتمع مدني بعد الثورة، تهمة “الاعتداء على أمن الدولة الخارجي”، إلى جانب تهم أخرى مالية بموجب القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب و منع غسيل الأموال المؤرخ في 2015.08.07
إننا نعتبر أن توجيه تهمة “الإعتداء على أمن الدولة الخارجي” لعبدالله سعيد لا يعدو أن يكون محاولة لترسيخ سردية زائفة وعنصرية تدّعي وجود “مؤامرة لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس”، وهي سردية تستعملها السلطة لتبرير استهداف ذوي البشرة السوداء، والفاعلين/ات في الدفاع عن حقوق الفئات المهمّشة و الهشة وخاصة المهاجرين/ات في تونس.
لم يكن اختيار النظام للناشط عبدالله سعيد هدفًا لهذا القمع الممنهج محض صدفة، بل جاء مدروسًا بعناية، لما يمثله من رمزية اجتماعية وسياسية تتقاطع فيها عدة عناصر أصبحت، في الخطاب الرسمي، محل شبهة وافتراء: فهو تونسي من أصول تشادية، أسود البشرة، ناشط مدني يعمل على ملف الهجرة ، ونال جنسيته التونسية بعد الثورة في إطار مسار مواطني شفاف. لكن هذه الخصوصيات، التي كان من المفترض أن تكون عنوانًا لتنوع المجتمع التونسي وانفتاحه، أصبحت في ظل المنعطف السلطوي و الاستبدادي أساسًا لتلفيق التهم وشيطنته
إن تحويل عبدالله إلى “قضية أمن دولة” يُعبّر عن نزعة خطيرة لتجريم الهوية والانتماء، وتحميل فئات بعينها مسؤولية فشل الدولة في إدارة ملف الهجرة والسياسات العمومية المرتبطة به ليصبح عبدالله سعيد و من يقاسمه نضاله شماعةً تُعلّق عليها السلطات فشلها، ونموذجًا يُستغل لترهيب المجتمع عبر فزّاعة “التآمر على التركيبة الديمغرافية”، في تبرير سافر لخطاب الكراهية والعنصرية والإقصاء و التمييز.
إن هذا التوظيف السياسي للجسد، واللون، والأصل، من قبل النظام القائم لا يشكل خطرًا على عبدالله فحسب، بل يُهدد كل قيم المواطنة والمساواة والكرامة التي قامت من أجلها الثورة التونسية فبدل أن يكون عبدالله سعيد، الناشط الحقوقي والمواطن التونسي من أصل تشادي، نموذجًا حيًّا للاندماج والمواطنة الفاعلة بساهمته في تأسيس جمعية تُعنى بالدعم النفسي والاجتماعي والصحي للمهاجرين/ات واللاجئين/ات، والذي عمل بلا كلل على دعم النساء المهاجرات وأطفالهن، وو سعى إلى تعزيز التضامن المجتمعي والعدالة الاجتماعية في مدنين ، يجد نفسه اليوم متهما بقضايا خطيرة جدا قد يصل حكمها للاعدام و دون محاكمة منذ أكثر من 182 يوم.
نؤكد أن ما يحدث اليوم لا يمكن فصله عن موجة قمع ممنهجة تطال الأصوات الحرة المعارضة، من محامين/ات وصحفيين/ات ونشطاء/ات و نقابيين/ات ، في خرق صارخ للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ول حرية التنظم والتعبير . كما أننا نجدد على تضامننا المطلق و مساندتنا الغير مشروطة لعبد لله سعيد و كل ضحايا الفكر و الكلمة و الضمير في تونس.
الحرية لعبدالله سعيد
الحرية لكل النشطاء و الناشطات
لا لتجريم التضامن والعمل الإنساني