سنية الدهماني هي محامية تونسية مرموقة وناشطة إعلامية، عُرفت بشجاعتها وصراحتها في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وانتقادها للسياسات الظالمة في تونس. بعد تخرجها من كلية الحقوق بجامعة تونس، بدأت مسيرتها المهنية في المحاماة عام 1993، لتصبح واحدة من أبرز المدافعات عن الحريات والكرامة الإنسانية. إلى جانب عملها القانوني، شاركت في برامج إذاعية وتلفزيونية كمحللة وكاتبة رأي، حيث تطرقت إلى مواضيع حساسة تتعلق بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مما أكسبها شعبية واسعة، ولكن أيضًا جعلها هدفًا للسلطات.
الاعتقال الأول وقضية “هايلة البلاد”
في 11 مايو 2024، اعتُقلت سنية الدهماني من مقر نقابة المحامين “دار المحامي” في تونس العاصمة، في عملية مفاجئة وعنيفة نفذها رجال شرطة مقنعون ودون تقديم أي إذن قضائي. وجاء هذا الاعتقال بعد تصريحات ساخرة أدلت بها خلال أحد البرامج التلفزيونية، حيث وصفت الوضع المتدهور في تونس بعبارة أصبحت معروفة في الإعلام بـ”هايلة البلاد”، في إشارة إلى التناقض بين الخطابات الرسمية والحقيقة المعيشية للتونسيين.
وجهت إلى سنية تهمة نشر “أخبار كاذبة” بموجب المرسوم رقم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بأنظمة المعلومات والاتصال، والذي يعتبر أداة قمعية تستخدمها السلطات لإسكات المعارضين. هذا المرسوم يفرض عقوبات تصل إلى خمس سنوات من السجن وغرامات مالية باهظة، ما يجعله سلاحًا فعّالًا في يد النظام للتضييق على حرية التعبير.
مسار المحاكمات
- 6 يوليو 2024: الإدانة الأولى
في محاكمة وصفت بأنها غير عادلة، أُدينت سنية بالسجن لمدة سنة نافذة بتهمة نشر “أخبار كاذبة”. ورغم أن فريق الدفاع قدم أدلة واضحة تدحض هذه التهم، إلا أن المحكمة تجاهلتها بالكامل.
- 10 سبتمبر 2024: جلسة الاستئناف
تم تخفيض العقوبة إلى 8 أشهر في جلسة استئناف كانت شكلية تمامًا، حيث لم يُسمح للمحامين بتقديم مرافعاتهم، واستمرت الجلسة أقل من 15 دقيقة. القرار صدر لاحقًا في غياب الدفاع، في انتهاك صارخ لحقوق المتهم.
- 24 أكتوبر 2024: الإدانة الثانية
في قضية أخرى، حُكم على سنية بالسجن لمدة عامين بتهمة نشر “أخبار كاذبة”، استنادًا إلى تصريحاتها حول التمييز العنصري ضد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في تونس. أشارت في تصريحاتها إلى وجود مقابر وحافلات منفصلة للبيض والسود في بعض المناطق التونسية، ما أثار غضب السلطات. مرة أخرى، تعرضت حقوق الدفاع لانتهاكات جسيمة، حيث اختفت وثائق أساسية قدمها محاموها أثناء المحاكمة.
قضايا إضافية وعقوبات محتملة
سنية تواجه ثلاث قضايا أخرى، من بينها قضيتان جنائيتان، إحداهما تتعلق بتهمة “الاعتداء اللفظي على وزيرة العدل”. إذا أُدينت في هذه القضايا، فقد تصل العقوبات التراكمية إلى 40 عامًا من السجن، مما يجعلها رمزًا للاضطهاد السياسي والقضائي في البلاد.
ظروف السجن اللاإنسانية
منذ اعتقالها، تتعرض سنية الدهماني لظروف احتجاز قاسية تهدف إلى كسرها نفسيًا وجسديًا. تعيش في زنزانة مكتظة مع أربع نساء أخريات، في مبنى قديم ومتهالك تنعدم فيه أبسط مقومات النظافة. الزنزانة مليئة بالفئران والقمل، والنوافذ مكسورة، مما يعرضها لبرد قارس. كما أن الرعاية الطبية غائبة تمامًا، حيث أصيبت سنية خلال احتجازها بداء السكري وارتفاع ضغط الدم نتيجة الإجهاد وسوء التغذية.
ردود الفعل الوطنية والدولية
أثار اعتقال سنية موجة من التضامن داخل تونس وخارجها. نظمت نقابة المحامين إضرابًا عامًا احتجاجًا على الانتهاكات، فيما أدانت منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية، هذه الممارسات، مطالبة بإطلاق سراحها فورًا. يعتبر اعتقالها جزءًا من حملة أوسع تستهدف إسكات الأصوات المعارضة وقمع حرية التعبير في تونس.